يقول العلامة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز :
(اعلم أن هذه الدعوة -أعني الدعوة إلى
القومية العربية- أحدثها الغربيون من النصارى لمحاربة الإسلام والقضاء عليه في داره بزخرف من القول، وأنواع من الخيال، وأساليب من الخداع، فاعتنقها كثير من أعداء الإسلام، واغتر بها كثير من الأغمار ومن قلدهم من الجهال، وفرح بذلك أرباب الإلحاد وخصوم الإسلام في كل مكان.
ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى
القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد سافر للإسلام وأهله، وذلك لوجوه:
الأول: أن الدعوة إلى
القومية العربية تفرق بين المسلمين، وتفصل بين المسلم العجمي وأخيه العربي، وتفرق بين العرب أنفسهم لأنهم ليسوا كلهم يرتضونها.
الوجه الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها، وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة، بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك، ولا ريب أن الدعوة إلى
القومية العربية من أمر الجاهلية؛ لأنها دعوة إلى غير الإسلام ومناصرة لغير الحق.
الوجه الثالث: أن الدعوة إلى
القومية العربية سُلِّم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من أبناء غير المسلمين، واتخاذهم بطانة، والانتصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم، ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص القرآن والسنة الدالة على وجود بغض الكافرين من العرب وغيرهم، ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة.
والنصوص في هذا المعنى كثيرة، منها قوله تعالى: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ))[المائدة:51-52].
سبحان الله! ما أصدق قوله وما أوضح بيانه، هؤلاء القوميون يدعون إلى التكتل حول
القومية العربية مسلمها وكافرها ((
يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ))[المائدة:52]، نخشى أن يعود الاستعمار إلى بلادنا، نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي أعدائنا، فيوالون
القومية العربية، ويقولون: إن نظامها لا يفرق بين عربي وعربي، وإن تفرقت أديانهم، فهل هذا إلا مصادمة لكتاب الله؟ ومخالفة لشرع الله؟ وتعدِّ لحدود الله؟ وموالاة ومعاداة وحب وبغض على غير دين الله؟
الوجه الرابع: أن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء
القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن؛ حتى يستوي مجتمع
القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك، وهذا هو الفساد العظيم، والكفر المستبين، والردة السافرة، كما قال تعالى: ((
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[النساء:65].. وقال تعالى: ((
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))[المائدة:50].. وقال تعالى: ((
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ))[المائدة:44] ((
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ))[المائدة:45] ((
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ))[المائدة:47]
وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات. يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، حتى تؤمن بالله وحده، وتحكم بشريعته، كما قال عز وجل: ((
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ))[الممتحنة:4].